إجبارية التصويت، الحكومة تحارب العزوف السياسي


عاد الجدل ليطفو على سطح المشهد السياسي من جديد حول إمكانية فرض المغرب لنظام التصويت الإجباري، بعدما قامت وزارة الداخلية باستطلاع رأي بعض الأحزاب السياسية بشأن إلزامية التصويت في الانتخابات الجماعية والبرلمانية المرتقبة في 2021.

أحزاب توجد في الحكومة اليوم، وعلى رأسها العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال المعارض كانوا قد تقدموا قبل الانتخابات الجماعية والتشريعية الماضية بمقترحات تضمنت اتخاذ إجراءات زجرية ضد المتخلفين عن التصويت، عبر التنصيص على إجبارية المشاركة السياسية؛ لكن وزارة الداخلية لم تتحمس كثيرا لهذا الإجراء وقتها، على الرغم من تخوفها المتكرر من ارتفاع نسبة العزوف السياسي.

وتضمّن الاقتراح، الذي تقدم به كل من حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، فرض عقوبات تصل إلى 500 درهم على الذين لم يدلوا بأصواتهم خلال الانتخابات. بينما هناك من طالب الدولة بوضع تحفيزات لرفع المشاركة السياسية مثل جعل يوم الاقتراع بمثابة عطلة مؤدى عنها؟

تجارب دولية

العديد من الدول تعتمد نظاما يتم فيه إلزام الناخبين بالتصويت في الانتخابات أو الحضور إلى مكان الاقتراع في يوم التصويت، وفي حالة التغيب يتم فرض عقوبات تأديبية؛ من بينها الغرامات أو خدمة المجتمع وربما السجن.

وتعد أستراليا واحدة من 10 دول تقريبا في العالم تطبق فعليا إلزامية التصويت، إذ تبلغ غرامة عدم التصويت في الانتخابات الفيدرالية في أستراليا 20 دولارا، وإذا تخلف الناخب عن دفع الغرامة يرتفع المبلغ على مراحل ليصل إلى حد أقصى قدره 180 دولارا.

وتنص قوانين 23 دولة على التصويت الإجباري، إلا أن معظمها لا تفعل العمل بهذا النص؛ ومن بينها كندا والنرويج والبرتغال واليونان والسويد وبلجيكا وإيطاليا.

وفي المغرب، يرى المدافعون عن التصويت الإجباري فرصة لرفع المشاركة السياسية وضمان أن يمثل الحزب الفائز أغلبية الساكنة، وليس فقط أولئك المهتمون بالسياسة والذين يقومون بالتصويت دون إجبار.

بينما يؤكد معارضو الفكرة أن توجه الدولة لطرح التصويت الإجباري في الانتخابات المقبلة هو بمثابة إجهاز على حرية التعبير لأكبر حزب في المغرب هو “حزب المقاطعين” الرافض للعملية السياسية برمتها، ودليل آخر على تخوف الدولة من تسجيل أدنى نسبة مشاركة سياسية في التاريخ.

بؤس السياسة

عبد العزيز أفتاتي، القيادي في حزب العدالة والتنمية، أكد أن المغرب لا يمكنه أن يتجه إلى فرض التصويت الإجباري، وأضاف أن “بعض الدول المتقدمة التي تفرض إلزامية التصويت تكون فيها نسب المشاركة مرتفعة جدا، وتحفز البقية من أجل الوصول إلى أعلى النسب في إطار حياة سياسية سليمة”.

بينما الوضع في المغرب، يعتبر أفتاتي، “لا يتعلق بمسألة تجاوب الهيئة الناخبة مع الاستحقاقات الانتخابية، بل بحياة حزبية عليلة ومريضة بفعل التحكم والتوجيه عن بعد. ولذلك، فإن العلاج لا يجب أن نبحث عنه في نظام فرض التصويت الإجباري”.

وأوضح القيادي في حزب العدالة والتنمية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “توجه وزارة الداخلية نحو إلزامية التصويت قد يفتح الباب لتزوير الانتخابات المقبلة على أوسع نطاق”، مؤكدا أن “للشعب واسع النظر في إشهار المقاطعة كموقف سياسي أيضا”.

ويرى المسؤول الحزبي أن “الحل يكمن في رفع اليد على الأحزاب والتوقف عن تنشيط الكراكيز السياسية، وهذا ما يعزز موقف العزوف لأن المغاربة فهموا كل شيء”، مشيرا إلى أن ربط إلزامية التصويت بالعزوف هو “جواب خاطئ على تشخيص مليء بالتدليس والتغليط”.

إلزامية التسجيل

علي بوطوالة، الكاتب الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، قال إن فيدرالية اليسار الديمقراطي، المكونة من ثلاثة أحزاب يسارية، كانت قد طالبت وزارة الداخلية بفرض إلزامية التسجيل في الانتخابات وليس إجبارية التصويت.

وأوضح القيادي اليساري أنه “لو قامت وزارة الداخلية بالتسجيل الأوتوماتيكي للمواطنين الذين يحق لهم التصويت لرفعنا نسبة المشاركة السياسية، لأن كثيرا من الأشخاص قد يغيرون موقفهم في آخر لحظة من مسألة العزوف أو المقاطعة، لكن إذا أقفلنا لوائح التسجيل فنخسر أصواتا بالآلاف”.

وأورد بوطوالة، في تصريح لهسبريس، أن التصويت في الانتخابات من واجب المواطن، “لكن بدون أن يكون مجبرا للقيام بذلك؛ لأن الأمر سيدفعه إلى النفور أكثر”. كما رفض المصدر الحزبي ربط إجبارية التصويت بالعزوف السياسي، وقال إن “خلق مشهد سياسي مصطنع يزيد من بؤس المشهد سنة بعد سنة”.

ويعتقد بوطوالة أن الدولة تفرض حصارا على الأحزاب الجادة بينما تتعامل برخاء مع “الأحزاب الإدارية”، وتابع أن “الدولة تضمن لهذه الفئة من التنظيمات السياسية شراء الأصوات والأعيان والوجود على مستوى المؤسسات المنتخبة”، بتعبيره.

وزاد الكاتب الوطني لحزب الطليعة، في تصريحه، أن هذا الوضع “يحول العملية السياسية إلى نوع من الارتزاق؛ وهو ما ينعكس على الجوانب الأخرى من مناحي الحياة ويتسيد الريع السياسي المشهد العام وينعكس أيضا على الاقتصاد الوطني”.

أما مصطفى البراهمة، الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي، المقاطع للانتخابات، فقال بسخرية إن “نية الدولة من وراء التصويت الإجباري هي “إدخال أكبر عدد من المغاربة إلى السجن، لأن نصف المغاربة البالغين سن التصويت غير مسجلين في اللوائح الانتخابية، والهيئة المسجلة لا يذهب نصفها إلى صناديق الاقتراع، ناهيك عن الأصوات المصوتة غير الصحيحة”.

ودعا البراهمة المسؤولين إلى البحث عن أصل المشكل في عملية النفور السياسي في المغرب، مشيرا إلى أن “فرض غرامات أو عقوبات على الرافضين للعبة الانتخابية سيفجر احتجاجات، خصوصا إذا علمنا أن 80 في المائة لا يصوتون وغير مسجلين أصلا في اللوائح”.

وتتجلى أسباب العزوف السياسي، حسب اليساري المعارض، في عدم وجود رهان على الانتخابات في المغرب، وبالتالي إحساس المواطن بأن هذه المحطة السياسية لن تغير شيئا في حياته، سواء بالإيجاب أو بشكل سلبي”.

“الحل يكمن في إقرار حقيقي للديمقراطية ومنح السلطة للشعب عبر تغيير دستوري جوهري”، يورد “كبير المقاطعين”، الذي أكد أن “الدولة غرقت لأنه لم يعد أحد يشارك معها في الانتخابات، كما أن الأحزاب المدعمة لمسألة التصويت الإجباري لم يعد أحدا يصوت عليها”.

وسجلت الانتخابات التشريعية لسنة 2016 مشاركة سياسية ضعيفة بلغت 43 في المائة؛ فقد صوت في هذه الاستحقاقات ستة ملايين و750 ألفا من أصل قرابة 16 مليون مغربي مسجل في اللوائح، وفق أرقام صادرة عن وزارة الداخلية.

https://www.hespress.com/politique/444209.html عن موقع : هسبريس